الجمعة. يناير 17th, 2025

لويس برايل، المولود في فرنسا في أوائل القرن التاسع عشر، هو الرجل الذي أعطى المكفوفين في العالم وسيلة فعّالة للتعلم والتواصل من خلال اختراعه لغة برايل. بالرغم من التحديات التي واجهها منذ طفولته، إلا أن شغفه بالمعرفة وعزيمته على مساعدة الآخرين جعلاه رمزًا للتغلب على الصعاب.

النشأة والطفولة

وُلد لويس برايل في الرابع من يناير عام 1809 في قرية كوبفراي الصغيرة بالقرب من باريس. كان والده سيمون برايل يعمل صانع جلود، وهي مهنة تعتمد على أدوات حادة ودقيقة. في سن الثالثة، تعرّض لويس لحادث مؤلم أثناء لعبه في ورشة والده، حيث أصيب بإحدى الأدوات في عينه. تفاقمت الإصابة، وبسبب غياب الرعاية الطبية المتقدمة حينها، فقد لويس بصره تمامًا في سن الخامسة.

التعليم المبكر

على الرغم من فقدانه للبصر، كان لويس طفلًا ذكيًا وطموحًا. التحق بمدرسة محلية، حيث أظهر مهارات لافتة، خصوصًا في حفظ الدروس. لاحقًا، بفضل إصراره ودعم عائلته، حصل على فرصة للالتحاق بـالمعهد الملكي للشباب المكفوفين في باريس، أحد أوائل المؤسسات التعليمية المخصصة للمكفوفين في العالم.

بداية اختراعه

في المعهد، واجه لويس صعوبة في استخدام أساليب التعليم التقليدية للمكفوفين، التي كانت تعتمد على قراءة حروف بارزة كبيرة الحجم.

في عام 1821، قام ضابط فرنسي يُدعى شارل باربييه بزيارة للمعهد الملكي للشباب المكفوفين. أبلغ باربييه الطلاب، بمن فيهم لويس برايل، بأنه ابتكر طريقة جديدة مشفرة للكتابة يمكن أن يستخدمها الجنود للتخاطب فيما بينهم بسرية دون الحاجة للكلام. تعتمد هذه الطريقة على إبراز أشكال من النقاط على ورق سميك، يصل عددها إلى اثنتي عشرة نقطة لكل رمز، بحيث يكون لكل منها دلالة كلامية.

ورغم أن هذا النظام المعروف بـ”الكتابة الليلية” كان فكرة مبتكرة، إلا أنه كان معقدًا للغاية بالنسبة للمكفوفين، مما دفع لويس إلى تطوير طريقة أبسط وأكثر كفاءة.

اختراع لغة برايل

بحلول عام 1824، وعندما كان في الخامسة عشرة من عمره فقط، قدّم لويس نظامه الجديد للكتابة. اعتمدت لغة برايل على ست نقاط بارزة تُشكل حروف الأبجدية والأرقام والرموز الموسيقية. كان هذا النظام بسيطًا بما يكفي ليتمكن المكفوفون من تعلمه بسهولة، وفعّالًا لدرجة أنه لا يزال يُستخدم حتى اليوم.

حياته المهنية

بعد تخرجه من المعهد، أصبح لويس مدرسًا في نفس المؤسسة. كرّس حياته لتعريف العالم باختراعه ومساعدة المكفوفين على الاستفادة منه. ورغم المساهمات العظيمة التي قدمها، لم يحصل لويس على الاعتراف المستحق خلال حياته.

وفاته وإرثه

في عام 1852، توفي لويس برايل عن عمر يناهز ثلاثة وأربعين عامًا بسبب مرض السل. ورغم رحيله المبكر، إلا أن إرثه استمر. في عام 1854، أي بعد عامين من وفاته، اعتمد المعهد الملكي نظام برايل بشكل رسمي. ومع مرور الوقت، انتشر هذا النظام في جميع أنحاء العالم وأصبح اللغة الأساسية للمكفوفين.

تكريمه

في عام 1952، بمناسبة الذكرى المئوية لوفاته، نقلت الحكومة الفرنسية رفات لويس برايل إلى البانثيون في باريس، تكريمًا له كواحد من أعظم الشخصيات في التاريخ الفرنسي.

الختام

كان لويس برايل مثالًا حيًا على الإرادة التي تتغلب على العقبات. اختراعه لم يكن مجرد نظام كتابة، بل كان نورًا أضاء حياة الملايين من المكفوفين حول العالم. إن قصته تظل مصدر إلهام لكل من يواجه التحديات، وتذكرنا بأن الابتكار يمكن أن ينبع من أكثر الظروف صعوبة.