في لقاء خاص مع الإعلامي عبد الرحمن عثمان، رائد التكنولوجيا المساعدة للمكفوفين في العالم العربي، تناولنا قضية فقد البصر بعد سن الثلاثين، خاصةً لدى الأشخاص العاملين. تحدث عثمان عن التحديات التي تواجه هؤلاء الأفراد وسبل التكيف مع الواقع الجديد، مع التركيز على الإمكانيات التي يمكن استثمارها لتحويل المحنة إلى منحة.
المحاور: فقد البصر بعد الثلاثين يمثل صدمة كبيرة، خاصةً إذا كان الشخص يعمل. كيف يمكن تجاوز هذه الصدمة؟
عبد الرحمن عثمان:
“بداية، لا شك أن فقد البصر في هذه المرحلة العمرية يشكل صدمة نفسية واجتماعية. الخطوة الأولى لتجاوزها هي تقبل الواقع. هذا لا يعني الاستسلام، بل فهم التغيرات التي حدثت، والعمل على التكيف معها. الدعم النفسي ضروري في هذه المرحلة، سواء من مختصين أو من الأسرة والأصدقاء، لأن الإنسان يحتاج إلى الإحساس بأنه ليس وحيدًا في هذه التجربة.”
المحاور: وماذا عن التحديات المهنية؟ كيف يمكن للشخص أن يستمر في عمله بعد فقد البصر؟
عبد الرحمن عثمان:
“التحديات المهنية حقيقية، لكنها ليست مستحيلة. اليوم، التكنولوجيا المساعدة تُحدث فرقًا كبيرًا. يمكن للأشخاص المكفوفين استخدام قارئات الشاشة، وبرامج تحويل النص إلى صوت، وحتى تطبيقات الهواتف الذكية التي تساعد في إدارة المهام اليومية. كما أن التواصل مع جهة العمل وطلب التعديلات اللازمة، مثل توفير أدوات مساعدة أو إعادة تنظيم بعض المهام، يمكن أن يُحدث تغييرًا إيجابيًا كبيرًا. الأهم هو أن يؤمن الشخص بقدرته على العطاء، وأن يبحث عن مهارات جديدة تتناسب مع وضعه.”
المحاور: كيف يمكن للشخص أن يتكيف مع حياته اليومية بعيدًا عن العمل؟
عبد الرحمن عثمان:
“التكيف مع الحياة اليومية يتطلب تدريبًا ومهارات جديدة. على سبيل المثال، تعلم استخدام العصا البيضاء للتنقل، أو الاعتماد على الحواس الأخرى مثل اللمس والسمع. هناك أيضًا برامج تدريبية متخصصة تساعد على التكيف مع فقد البصر، مثل تعلم طريقة برايل أو استخدام الأجهزة الصوتية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تنظيم المطبخ والبيئة المحيطة بالشخص يساهم بشكل كبير في تعزيز استقلاليته.”
المحاور: وماذا عن الجانب النفسي والاجتماعي؟ كيف يمكن أن يساهم المحيط في دعم فاقد البصر؟
عبد الرحمن عثمان:
“الدعم الاجتماعي ضروري جدًا. الأسرة تلعب دورًا محوريًا في تقديم الدعم النفسي والمادي. كما أن التواصل مع جمعيات ومجموعات دعم فاقدي البصر يمنح الشخص الإحساس بأنه جزء من مجتمع متفهم وداعم. لا أنسى أهمية بناء الثقة بالنفس؛ يجب أن يدرك فاقد البصر أن قيمته لا تتحدد بإحدى حواسه، بل بما يقدمه من أفكار ومهارات.”
المحاور: كيف يمكن تحويل هذا التحدي إلى فرصة؟
عبد الرحمن عثمان:
“أنا أؤمن بأن كل تحدٍ يحمل فرصة. فقد البصر قد يكون دافعًا لاكتشاف مواهب جديدة، مثل الكتابة أو الموسيقى أو البرمجة. كما أن الشخص يمكن أن يصبح مصدر إلهام للآخرين، خاصة إذا استثمر تجربته في توعية المجتمع حول قدرات المكفوفين. الحياة لا تتوقف بفقد البصر؛ بالعكس، قد تبدأ مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والإنجازات.”
المحاور: كلمة أخيرة توجهها لمن يواجهون هذا التحدي.
عبد الرحمن عثمان:
“أقول لهم: لا تدعوا فقد البصر يحدد مسار حياتكم. أنتم أقوى مما تتخيلون، وهناك طرق لا حصر لها للعيش والعمل والإبداع. الإرادة والدعم هما المفتاحان لتجاوز أي عقبة. ثِقوا بأنفسكم، وابحثوا عن الموارد والأدوات التي تساعدكم على النجاح. الحياة ليست بما نفقده، بل بما نختار أن نفعله بما لدينا.”
بهذا أنهى عبد الرحمن عثمان حديثه، مشددًا على أن فقد البصر ليس نهاية الطريق، بل بداية جديدة مليئة بالتحديات والفرص لمن يملك الإرادة.